فن

أهم 7 مخرجين في تاريخ السينما الأمريكية

ينقسم العالم الغربي بين سينما أوروبية هادئة وأمريكية أكثر عنفاً وبذخاً، لا نتناول هنا الإمكانيات التقنية والمادية للأخيرة بل توظيفها المذهل في العنف.

future من اليمين: ستيفن سبيليبرغ، ديفيد فينيشر، كوينتين تارانتينو

ينقسم العالم الغربي بين سينما أوروبية أكثر هدوءاً وسينما أمريكية أكثر عنفاً وبذخاً، نحن لا نركز هنا على الإمكانيات التقنية والمادية للسينما الأمريكية (أكبر سينما في العالم) بل على توظيفها المذهل في دراسة العنف.

في التقرير التالي جمعنا لكم أهم سبعة مخرجين أمريكيين أثروا في سينما العنف.

1. ستيفن سبيلبيرغ

استقر الأمر عندي تماماً أن أعظم السينمائيات في العالم هي مصر وروسيا وفرنسا وأمريكا واليابان، وربما ألمانيا أو كوريا أو بريطانيا أو غير ذلك. وكل أمة تميزت بموروث ثقافي هائل وظفته في فنونها، وأكثر ما تميزت به أمريكا هو هوليوود آلة إنتاجية ضخمة قادرة على تصدير أفلام فاشلة، لكنها ناجحة على شباك التذاكر بسبب قوة الإبهار البصري التي تضخها ملايين من الأموال تستثمر في هذه الصناعة.

هذا ببساطة هو ما برع به ستيفن سبيلبيرغ كما لم يفعل أحد تقريباً إلا كوبريك وربما وإلى أن أتى نولان أخيراً. ولكن في عهده، كان هو المتفوق بصرياً على كل من شابهه أو عاصره. ربما استطاع مخرجون آخرون أن يوازوه أو يتجاوزوه في أعمال معينة، ولكن ليس بهذه الكثافة السينمائية فهو أحد أغزر المخرجين إنتاجاً على مر التاريخ ومن أنجح المخرجين في تاريخ السينما وأكثرهم إدراراً للأرباح. وربما لهذا عد سبيلبيرغ بالنسبة لعدد من النقاد مخرجاً للتسلية! تصور! هذا ما استشففته من قراءتي لكتاب «تحطيم السينما» لآموس فوغل المعنون في ترجمته العربية بـ«السينما التدميرية». 

بالتوازي مع هيتشكوك يعد سبيلبيرغ هو المخرج الأكثر حضوراً في السينما عبر تاريخها كله، فحتى من لا يعرفه اسماً لا تزال صور من سينماه مطبوعة في ذاكرته، حتى صارت جزءاً من الوجدان الجمعي. «القرش في الفك المفترس»، و«المغامرات العجيبة في إنديانا جونز»، و«المخلوق الفضائي الوديع في إي تي»، و«حقيقة الحرب في إنقاذ الجندي رايان وقائمة شندلر»، و«الديناصورات في الحديقة الجوراسية».

فهو المخرج الأكثر شعبية على الإطلاق الذي استطاع أن يقدم سينما ترضي الخواص والعوام معاً، على الرغم من أن المخضرمين يميلون لاعتبار سكورسيزي أعظم مخرج في تاريخ السينما الأمريكية فإن سبيلبيرغ يظل غصة في حلوقهم إذا ما تغاضوا عنه ولن تميل الكفة لسكورسيزي هكذا ببساطة. 

سبيلبيرغ صاحب أعظم فيلم حربي في تاريخ السينما الذي لم يضاهه في جماله إلا فيلم «قائمة شندلر» لنفس المخرج. وأنا أعشق لما مخرج عظيم لا ينتظر حتى يعلي/ يتفوق عليه أحد في مساحته السينمائية الخاصة فيقوم هو (ويعلي على نفسه). ولا يمكن أن نحصر سبيلبيرغ في مساحة معينة.

فهو يلعب بالمؤثرات الخاصة كلاعب محترف يعلم جيداً أين يضع/ يضغط أزراره في أماكنها الصحيحة. فهو من المخرجين القلائل الذين يحملون لقب «صانع الوحوش»؛ القرش الذي لم ينجح أحد بعد في تقديم فيلم على نفس القدر من الإتقان. الديناصورات التي تفرض على أي مقتحم لهذا النوع من الأفلام مقارنة مباشرة مع «الحديقة الجوارسية». وقد صنع الآليين والمخلوقات الفضائية والوحوش شبه البشرية وغير ذلك أيضاً.

وأفضل ما صنعه، هو الوحوش البشرية مسلطاً الضوء على جرائم البشر في أفلامه الحربية.

ولأن أمريكا بلد حديث، فهي امتداد لأوروبا وانقطاع عن ثقافة السكان الأصليين/ الهنود الحمر، كان يلزم بناء موروث ثقافي جديد، حديث يصبح قديماً أو الأخذ من قديم لم يقدم بعد. ولهذا قدم سبيلبيرغ أهم تحفه السينمائية مستلهماً حبكات أفلامه من أحداث الحرب، حرب قريبة جداً، ومؤثرة جداً، وهي الحرب العالمية الثانية.

الحرب جريمة كبرى في حق الإنسانية كلها، وهذه هي الرسالة التي يحاول المخرج توصيلها، وإلى حد كبير نجح في ذلك. فعلى الرغم من تركيزه على بعض الشرائح المتضررة في الحرب، دون فئات أخرى من المجتمع البشري، مثل تركيزه المكثف على معاناة اليهود في قائمة شندلر، فإنه حاول أن يركز على فئات أخرى متضررة من الحرب في أفلامه الحربية المختلفة؛ «ميونيخ»، «لينكولن»، «حصان حرب»، و«إمبراطورية الشمس»، وبالطبع درة أفلامه كلها «إنقاذ الجندي رايان». والرسالة المرجوة هي أن الحرب جريمة جماعية لا تفرق بين قريب أو غريب.

2. ديفيد فينشر

ومن الجريمة الجماعية إلى الجريمة الفردية، حيث تُحاصر الضحية بمفردها دون أي صحبة أو نجدة. وهذا هو أفضل مخرج عرض صوراً عن الجريمة العشوائية في المدن وداخل البيئة المتحضرة على العكس من بيئة البرية التي يقدمها إيستوود ومن شابهه ضمن نوعية أفلام الغرب الأمريكي التي سنقدمها في الآتي. المثير في النوعية التي يقدمها فينشر، أنها تقدم خرقاً واضحاً في نسيج مجتمع محكم، حيث سلطة القانون نافذة، أو يفترض بها كذلك. في البرية أو في القرون الوسطى، يمكن أن يتعامل المرء مع أي شخص كونه نداً أو خصماً له، في أي لحظة قد يقاتله ويقتله أو يُقتل على يديه. هناك حمل السلاح أمر مباح واستعماله يحظى بتأييد شرعي كبير يتيح مرونة عالية في التعامل مع أي خطر.

أما في المدينة، فنحن محميون تحت مظلة نظام ومقيدون بأغلال هذا النظام حتى لا تعم الفوضى. مع ذلك، سرعان ما تتزايد الثقوب مثل وباء الطاعون في جسد المدينة، إن البرية قادرة على حفظ نظامها لنفسها، حيث البقاء للأقوى، يتم استلال نوع جديد من المبادئ يحافظ على الضعيف إلى جوار القويّ، أو أقله يصبح الضعيف قوياً. 

في المدينة، يصبح الضعيف عارياً تماماً و(العري) أصعب حالة للخطر قد يمر بها الجسد، هي التي جسدها هيتشكوك حرفياً في مشهد الحمام الشهير من فيلم «سايكو» Psycho. وربما هذا تحديداً هو ما يجعل أعمال وأفلام الإثارة هي الأعلى مبيعاً في العالم. وهذا أيضاً قد يفسر رواج روايات شبابية مصرية مثل «الجزار» 2009 لحسن الجندي، «تراب الماس» 2010 لأحمد مراد، «2 ضابط» 2013 لعصام يوسف.

فنحن نعلم أن أفضل المتع الجسدية هي إيلاج الطعام داخل الفم أو مرور السائل داخل الثقب، والدراسات الطبية في علم النفس تشير إلى ترابط قوي ومتين بين الجنس والألم والموت وربما مشاعر سلبية أخرى مثل الحزن أو الخوف، إن الجنس يعد نوعاً من الانهيار الجسدي والنفسي الذي نتلذذ به كما لم نعهد مع أي شيء مشابه. ربما تظهر لنا التشابهات البصرية مع أفلام الإثارة والتشويق والجريمة والتحقيق. وهكذا راجت أعمال ديفيد فينشر السينمائية؛ «سبعة» 1995، «اللعبة» 1997، «نادي القتال» 1999، «غرفة الذعر» 2002، «زودياك» 2007، «الفتاة ذات وشم التنين» 2011، «الزوجة المفقودة» 2014، «القاتل» 2023، وكلها تقريباً على نفس المستوى من الجودة حتى ذلك الفيلم الأخير الذي لم يصدر بعد، ومقرر عرضه هذا العام. 

وفي الفترة بين 2014 و2023 نلاحظ فجوة واسعة تمتد إلى قرابة الـ10 سنوات، انشغل فيها ديفيد فينشر عن أفلامه بالتوجه إلى صناعة المسلسلات فترك بصمته واضحة في أهم مسلسل سياسي وهو «بيت البطاقات» الذي لا يخلو من جرائم -أتذكر منه جريمة قتل فتاة مسكينة تدفن تحت التراب من دون أي ذنب بعد سماع توسلاتها وإيهامها بأنها ستنجو أو سيعفى عنها- ثم توجه إلى تنفيذ مشروع تلفزيوني آخر عنى به إخراجياً لوحده بالكامل، ليخرج لنا مسلسلاً حمل عنوان «صائد العقول Mindhunter» يعد واحداً من أجمل ما جرى إخراجه في عالم الجريمة على الشاشة الصغيرة (التي لم تعد صغيرة)، وفيه يتتبع المخرج أو المحقق بطل الفيلم وهو باحث في العلوم السلوكية، يتتبع ذكريات القتلة، والموروث الإجرامي لهم، سجلاتهم وتسجيلاتهم، ويتحدث معهم -صانعاً تسجيلات جديدة- ويحلل شخصياتهم للوصول إلى نظرية (نمط القتل) التي تعد حتى الآن أهم استراتيجية للإمساك بالقتلة المتسلسلين.

وبالطبع المسلسل يتفوق بمراحل على مسلسل «سفاح الجيزة» المصري. ويعد كارثة فنية من «نتلفيكس» وهي الشركة المنتجة لأنها أوقفت المشروع. هذا مخرج كبير لا يزال في أوج نشاطه (عند الـ60 تبدأ الحياة) وفي نفس المرحلة العمرية تقريباً.

يوجد مخرج آخر جدير بالذكر هو دارين أرنوفسكي الذي أميل لاعتباره ينتج ويخرج أفلاماً جرائمية بشكل أو بآخر -رغم أنه يجري تصنيفه مخرج غموض ودراما- خصوصاً أفلامه الثلاثة الأهم «مرثية حلم» 2000، و«البجعة السوداء» 2010، و«الأم» 2017.

وهناك سميه ديفيد لينش الذي يكتب ويعرض بالفعل أفلاماً جرائمية ذات طابع سريالي مميز لا يشابهه فيه تقريباً إلا أرنوفسكي وربما بونويل.

وفي ختام حديثنا عن فينشر نستعيد المشهد الختامي من باكورة أعماله وأهم أفلامه والمعنون «سبعة» دون أن يكون السابع؛ بسبع ضحايا في مخطط لقاتل متسلسل يتتبع فيه الخطايا السبع، ويتتبعه بطل الفيلم في محاولة لإجهاض مخططه، دون أن يدري -وهنا حرق عنيف للأحداث- أن الضحية ما قبل الأخيرة هي زوجته، وكانت حاملاً في مولوده الذي لم يولد قط، وحاول عزيزي القارئ أن تخمن من الضحية الأخيرة؟

3. كوينتين تارانتينو

وكانت القائمة لتتشبع فقط بالمذكورين ضمن تصنيف سينما الجريمة الأمريكية، ذات طابع التحقيق أو تلك التي تحتمل صداماً عنيفاً ومباشراً، مثلما نعرف عن أفلام الجريمة المنظمة أو أفلام العصابات، وخصوصاً المافيا الإيطالية/ الأمريكية. وقد ترددت قليلاً أن آتي بذكر مارتن سكورسيزي، نظراً لأصوله العرقية التي تجعله منتمياً إلى الجالية الإيطالية أكثر من كونه مواطناً أمريكياً حقيقياً، ثم استدركت أنه لا وجود لأي مواطن أمريكي حقيقي ما لم نكن نقصد المواطن الأصلي الهندي الأحمر. 

ولكن ربما يذهب القصد قليلاً إلى المواطن المنتمي إلى الثقافة الأنجلوساكسونية. من خلال هذا التعريف، يمكننا أن نقصي كل من مارتن سكورسيزي وفرانسيس فورد كوبولا عن المواطنة الأمريكية، وبالتالي عن السينما الأمريكية. ونفس الوضع مع مخرج أمريكي آخر من أصول إيطالية هو بريان دي بالما. الطريف أن الثلاثة مع سبيلبيرغ وآخرين، كونوا معاً ما يُعرف بالموجة الجديدة في السينما الأمريكية.

وعند إعادة النظر، نجد أن هؤلاء، كان أثرهم على السينما الأمريكية موازياً لإعلام هوليوود الأمريكان أو الإنجليز، وبينما لا أثر لهم يذكر على السينما الإيطالية المتخمة بعظمائها.

وعلى ذكر فورد ربما لاحقاً أعد قائمة حول أعظم من تسموا باسم «فورد» ويخطرني منهم حالياً ثلاث؛ هنري فورد صانع العربات، وهاريسون فورد الممثل، وفرانسيس فورد المخرج الأمريكي- الإيطالي العظيم.

وقد رأيت لزوم تجاور مخرجي أفلام العصابات مع بعض. وقد قدم الثلاثي، كوبولا، وسكورسيزي، وبالما، أهم أفلام الجريمة المنظمة والعصابات في تاريخ السينما الأمريكية والعالمية. وذلك راجع بشكل أساسي لاختلاطهم بالعرقيات المكونة للعصابات الأمريكية في هذه الفترة التي تقدمها أعمالهم، وهي الجالية الإيطالية في أوائل القرن العشرين عقب الحرب العالمية الأولى وقبيل الحرب العالمية الثانية، فبين الحربين اندلعت حرب أخرى بين أزقة شيكاجو وضواحي نيويورك والأحياء المجاورة. ولكن هناك مخرج آخر من أصل إيطالي، قدم هو الآخر تحفته السينمائية عن عالم الجريمة المنظمة، وإن كان لا ينتمي لنفس الفريق أو الشلة الأكبر منه سناً بفارق عقدين. يعد إلى جوار نولان، المخرج الأشهر حالياً في أمريكا، محافظاً على حرارة شهرته من خلال مجموعة من التصريحات الجدلية ليس آخرهم الإقرار أكثر من مرة، بأن هذه المرة يقدم آخر أفلامه قبل اعتزاله، وقبل عودته.

لولا أن شهرته راجعة أصلاً لأسباب حقيقية تجعله واحداً من أكثر المخرجين أصالة في تاريخ السينما (مع أنه لص كبير!)، ولا حرج في النظر إليه باعتباره ضمن الثلاثي في السينما الأمريكية إلى جوار ستيفن سبيلبيرغ أهم مخرجيها.

يمكن فهم هذه الأسباب من خلال النظر إلى العناصر السينمائية المشتركة أو المكررة في جميع أفلامه، وأولها هو أخذه عن عناصر شعبية جداً، مشابهاً لـ آندي وارهول فيصنع أفلاماً تعد إلى حد ما نخبوية جداً. عناصر مميزة جداً؛ الجريمة المنظمة، الساموراي، الحرب العالمية، الغرب الأمريكي، نلحظ هنا أن مختاراته تقعد دائماً على عناصر وإحداث وحبكات داخل بيئات عنيفة يصورها بجمالية خالصة تجعل العنف، أو لنقل القبح، جميلاً. خصوصاً وأنه يقتبس عديداً من المشهديات والإطارات البصرية عن أفلام أخرى، أو ينقلها بحذافيرها باعتباره أو باعترافه سارقاً مبدعاً ما يقود إلى إعادة النظر في إشكالية الأصالة والتقليد.

مثلاً في فيلمه الأكثر شهرة «خيال رخيص» -يمكننا ملاحظة العناصر الشعبية حتى في عناوين أفلامه- هناك مشهد لزعيم عصابة قاس يقع ضحية مغتصب مثلي يحب مضاجعة الرجال، تخيل ماذا سوف يفعل فيه زعيم العصابة إذا تمكن منه. وكعادة أفلام تارانتينو هو يحقق كثيراً من رغباته وهي رغبات المشاهد أيضاً.

هذا يقودنا إلى العنصر الآخر المميز في أعماله، وهو قلب التاريخ، في فيلم «أوغاد مجهولون» يقدم لنا -وهنا حرق- انتقاماً مشبعاً من أدولف هتلر، الأكثر طراوة على القلب منه، هو ما فعله في (ذات مرة في هوليوود) حين انتقم من عصابة أمريكية مشهورة أذاقت الأمرين المواطن الأمريكي العاشق لنجومه السينمائية (مما يجعلنا نستعيد ذكرى مقتل سعاد حسني)، إضافة إلى الانتقام للزنوج في «جانغو الحر» المستوحى من فيلم بنفس الاسم.

ليس اللعب في التاريخ فحسب، وهذا هو العنصر الثالث، حيث يعد تارانتينو إلى جوار نولان، أول من قام بإدخال التسلسلات غير الخطية إلى الفيلم الجماهيري، أي إنه أخذ هذه التقنية وحولها من خزائن الأفلام النخبوية إلى مساحات أرحب وأكثر شعبية. فأفلامه تشاهد أكثر من كونها أفلاماً تدرس في السينما (ولكن لا أقول إن أفلامه غير صالحة لتدريسها بالطبع). 

4. كلينت إيستوود

حتى الآن يبدو لي أن التسلسل يتبع مساراً واضحاً من السينما الجرائمية، بشكل أو بآخر، فالمخرج الأول يقدم لنا نموذج الحرب، والثاني يقدم لنا الجريمة العشوائية (وقد تكون مجموعة من الجرائم المتتابعة كما في حالة القاتل المتسلسل)، والثالث يقدم أفلاماً من وحي الجريمة المنظمة، أما الرابع فيعرض لنا جريمة البراري، في الغرب الأمريكي. وهذا يزيح جانباً أي فرصة لمخرج آخر عظيم وأمريكي، اشتهر بأفلام الغرب الأمريكية، وهو جون فورد الذي يعده البعض أعظم من قدم لهذه النوعية السينمائية من الأفلام.

جون فورد الذي قدم لنا سلسلة الأفلام الأنجح لأهم ممثل أمريكي في نوعية الأفلام الغربية أو أفلام رعاة البقر، وهو العظيم جون واين، فيجد البعض حيرة في أيهما أفضل، كلينت إيستود المخرج أم جون فورد المخرج، وتقام المقارنة مرة أخرى، بين كلينت إيستود الممثل، وجون واين الممثل. ولكن إيستوود يجمع بين الاثنين. كلينت إيستوود مخرج، وممثل، ومنتج سينمائي، وربما كاتب أيضاً، وهو بوصفه مخرجاً ربما يحتل مكانة بين أعظم 10 مخرجين في تاريخ السينما (ربما ليست الأمريكية فحسب، بل العالمية)، وبالمثل كممثل يحتل مكانة بين أعظم 10 ممثلين ربما يمكن أن نقول بالمثل ضمن حدود العالم كله.

وكثيراً ما تساءلت عن خياراته الإخراجية في أفلامه، فهو لم يسرف كثيراً في أي جهد إخراجي وكأنه يعي تماماً المهام التي تثقله حين يتعهد موضعه خلف الكاميرا بدلاً من أمامها. وعلى الرغم من تاريخه الحافل في سينما الغرب الأمريكي أو الغرب المتوحش، خصوصاً وثلاثيته المشهورة رفقة المخرج الإيطالي سرجيو ليون، كانت أفلامه التي أخرجها من نفس النوعية محدودة جداً وجيدة جداً، وهي «بال رايدر»، و«بكاء ماتشو»، و«غير مغفور». وتأثراً بعمله مع المخرج دون سيغل أخرج بعض أفلام لشخصيته هاري القذر.

أي عاشق لإيستوود يمكنه أن يتعرف على سينماه واضحة المعالم في فيلم «غير مغفور» التي تعد اتصالاً مع السينما التي تربى عليها بصفته ممثلاً، ولكنها أيضاً انقطاع عنها في منحى أكثر إنسانية كما نشهد في «قصص استبدال»، و«بحر غامض»، و«غران تورينو»، و«فتاة المليون دولار».

إضافة إلى تناوله نفس المعركة الحربية العظيمة «في جزيرة إيو جيما» من المنظور الياباني «رسائل من إيو جيما» والمنظور الأمريكي «أعلام آبائنا»، وقد صدر الفيلمان في نفس العام 2006 ويمكن اعتبارهما أهم تناول سينمائي للمعركة حتى الآن. وكلها أعمال ستبكيك وستدميك تأثراً بما يستدعي إلى أذهاننا سينما مواطنه العظيم فرانك دارابونت. كلاهما يقدم أفلاماً تصور واقعاً قد يحدث لأي أحد، في أمريكا أو في مصر أو في أي بلد حول العالم. ربما إيستوود يتميز أكثر بكونه يقدم شخصيات أقرب إلى عوالم تارانتينو وديفيد فينشر الجرائمية والغرائبية في آن. أو هكذا أحسب أنا.

5. تيم بيرتون

يقدم تيم بيرتون نفس النمط من القتل المتسلسل الذي يسرده ديفيد فينشر في قصصه السينمائية، لكن مضافاً إليها لمسة محفوظة عنه، ونكهة غريبة ربما هي الأكثر وضوحاً مثل سينما تارانتينو، حيث تنتمي عوالم أفلامه إلى واقع فانتازي، وفي أقل تقدير تميل إلى السريالية. هذا، والأخوان كوين هما أكثر من لم أتوقع أني سأدخلهما إلى القائمة.

وسبب تميزهم يرجع إلى تفرد واحد مثل تيم بيرتون بنوع خاص جداً، خاص به لوحده، من سينما الفانتازيا التي تتجلى في بهائها في ثلاثة أفلام رسومية لم يحدث أن قابل المشاهد أعمالاً مثلها أو حتى مشابهة لها من قبل؛ «كابوس قبل عيد الميلاد» 1993، «جثة العروس» 2005، «فرانكنويني» 2012. وتيم بيرتون يستدعي إلى الذهن، مجموعة من أبرز الأسماء في سينما الفانتازيا الأمريكية، وبما أنها فانتازيا أمريكية، فهي حكر على الأبطال الخارقين، لذا برز سام رايمي كأهم مخرج سينمائي لهذه النوعية إلى جوار زاك سنايدر. وربما نجتر من خلفهما جورج لوكاس صاحب «حرب النجوم»، وج ج أبرامز الذي كان امتداداً لمشروع جورج لوكس.

الحق، هؤلاء هم صناع مفهوم العلامة التجارية في السينما العالمية، مع مساهمة الكندي جورج لوكاس. بيرتون نفسه، قدم رائعته الخاصة عن باتمان في فانتازيا الأبطال الخارقين مؤسساً مع سام رايمي للتطور اللاحق على هذه العلامة بعد أفلام سوبرمان، وقبل أفلام نولان وثورة عالم مارفل السينمائي. ويظهر من كل ذلك، أن هذه محاولة يائسة لحصر جميع الأنواع السينمائية في بضعة أسماء أمريكية، ونحن عاجزون عن ذلك، تيم بيرتون هو مخرج فانتازيا، وليس خيالاً علمياً، حتى إنه لا يقدم رعباً مشابهاً لما يقدمه العظيم جون كاربنتر الذي أغفلناه بحكم قصر القائمة على سبعة فقط.

وربما لا يوجد مخرج آخر من بين جميع صناع الفانتازيا الأمريكية، أكثر استحقاقاً لوجوده هنا من والت ديزني عملاق هذه الصناعة بحق، لولا أنني آثرت التمسك بالميل الواضح إلى أفلام الجريمة التي لا يمكن عمل مقاربة لها من داخل عالم ديزني، فالوضع صعب جداً إلا من مخيلة أحمد خالد توفيق نفسه.

تيم بيرتون هو مرحلة متطورة من فانتازيا مواطنه الأمريكي فيكتور فليمنغ صاحب ساحر أوز الأكثر جدية من عوالم ديزني المبهجة، ولكن تشعر أن بيرتون قد استأصل كل الزوايا الكئيبة في أفلام رواد الفانتازيا السابقين عليه ليخلق عالماً أكثر قتامة خاصة به وحده. هوسه بالموت غير موارب، ويبدو لي أنه كان هناك حلقة وصل وتأثر وتأثير بينه وبين الكاتب الفانتازي الكبير والأمريكي أيضاً نيل جايمان.

ونلحظ أثره واضحاً في فيلم «كوكو» إنتاج 2017، إذ يقدم قصة عائلية وسط الموتى، المستلهم أساساً من فكرة بيرتون في تقديم قصص رومانسية في وسط الموتى. على الرغم من كونه يعيد تكرار نفسه في بعض المواضع، إلا أن أفلامه ممتعة ومقنعة، ومستلهمة بالكامل من قصص أمريكية في الصميم مما يجعله أحد أكثر المخرجين حداثة وقلباً للمعايير التي كانت سائدة قبله. 

6. أورسن ويلز

من العجيب حقاً، أن أعظم مخرج أمريكي يتذيل مؤخرة هذه القائمة، لولا أننا أولاً نتحدث عن السبعة الأعظم، إن سابع مخرج ذكره مثل الأول في القائمة، هي مراتب متساوية تقريباً، وليست متتالية. وثانياً لأن أورسن ويلز لم يعد تصل به شهرته إلى المسامع العربية، تقريباً لا يعرفه إلا من هو من عشاق السينما الحقيقيين أو القدامى، حتى ولو شكلوا فئة كبيرة من البشر، لا يزال التعرف على أفلام سبيلبيرغ أسهل على أي طفل أو بالغ. تقريباً لا يوجد سبب ثالث عندي فهو عظيم، وأفلامه حية لا تزال تتنفس في وقتنا الحالي، يمكننا مشاهدتها والاستمتاع بها جيداً جداً. 

ولكننا هنا نحتاج إلى أن نركز أكثر على التأثير العظيم لهذه الأفلام، فقد غيرت مجريات السينما إلى الأبد، وبات التوجه مرسوماً على أنامل ويلز أو لنقل بكاميرته. يعده النقاد واحداً من صناع السينما الأمريكية، وواضعي قواعدها التي انتشرت حول العالم كله. إلى جوار هيتشكوك نفسه، بل وكان سابقاً عليه في شرح نظرية التشويق السينمائي والمعروفة بمثال القنبلة تحت الطاولة الشهير عن هيتشكوك.

لقد رسم ويلز معالم فيلم «النوار» الذي برز فيه مجموعة من ألمع مخرجي السينما الأمريكية في الحقبة الذهبية، بل وربما تعلم منه معاصراه ويليام وايلر وجون هيوستن اللذان شاركاه في بناء هذه النوعية السينمائية المميزة. وربما هناك ضلع رابع مفقود هو سيدني لوميت نفسه. بل لا نبالغ لو قلنا إن ويلز هو الذي قدم مع هيتشكوك ما يجدر أن يكون عليه الفيلم السينمائي وتتضح براعته مبكراً في الثورة الإذاعية التي قدم فيها مسلسلاً صوتياً مستلهماً من قصة شهيرة لهربرت جورج ويلز -ويلز آخر عظيم- أفزعت الناس في وقتها لأنه لأول مرة يعلن في الإذاعة، وبأداء مذهل، وكأنه خبر عن غزو فضائي مما دعا الناس للخروج والنظر إلى السماء.

7. الأخوان كوين

هناك مجموعة من الأخويات الإبداعية على مر التاريخ، منها الأخويات السينمائية الأشهر، الأخوان لومير اللذان صنعا السينما، والأخوان واتشوسكي اللذان أكدا العلاقة المهمة بين الحاسوب والسينما، والأخوان كوين اللذان أعادا للعدسة أهميتها ورونقها.

كان اختياري الأخوين كوين، تأكيداً على الندم الذي سوف ينتابني لتجاهل مجموعة من ألمع الأسماء الإخراجية في أمريكا؛ على رأسهم بالطبع دارين أرنوفسكي الذي لا يزال أجده شاباً لتقديم المزيد. وبالطبع أيضاً فرانك داربونت صاحب الواقعية المريرة حتى ولو أتت من باب الخيال كما في الواقعية السحرية بالميل الأخضر أو الخيال العلمي في الضباب. وبول توماس أندرسون صاحب «ستسيل الدماء» وهو أكثر الأفلام شبهاً بـ«لا بلد للعجائز» تحفة الأخوين وودي آلن ونيكولاس راي وأوليفر ستون.

بل أعتقد أني لم أكذب حين قلت، إن هذه قائمة قصيرة ومقصرة حقاً، وحتى إذا حاولنا استيعاب مجرد رؤوس أقلام مكونة أو مشيرة للأنواع السينمائية الرئيسية، لأن ذلك معناه بالتأكيد القفز متجاوزين اسماً فنياً مهماً مثل المخرج الموسيقي الشاب داميان شازيل، الذي لم أحبه كثيراً ولم أفتقده. لم أفتقد أيضاً ويس أندرسون ذا النمط البصري المميز جداً. أكثر مخرج أمريكي كان يستحق مكانته هنا، وأكثرهم فنية وابتكاراً هو العظيم آندي وارهول.

استأنف الأخوان كوين نفس النسق الإجرامي المميز للأفلام الأمريكية على أنواعها المختلفة، ونلحظ طفرة إبداعية في أفلام الجريمة على أنماط مختلفة بشكل ربما لا نشهده إلا في السينما الإيطالية وفي السينما اليابانية، ولا نقول الكورية لأن أفلام كوريا حتى الآن، ورغم عبقريتها تبدو لي تكراراً لصورة واحدة. بينما يقدم الأخوان اللذان شاع، مؤخراً بعد فيلم «ماكبث»، أخبار عن انفصالهما هما بحق واضعي اللبنات الأولى مع ديفيد فينشر لسينما النوار الجديدة في أمريكا، التي تحيي الطابع المميز والقاتم لأفلام جريمة تجمع في خصائصها وشروطها الظلال، المساحات الواسعة (مثل مطاردة عبر المدينة أو أثناء ركوب قطار) وبالطبع تصاعد درامي وتحولات ملحوظة وربما طارئة على الشخصيات بالتوازي مع عملية حل العقدة. ومؤسسا هذه النوعية هما البريطاني هيتشكوك والأمريكي ويلز. لا بلد للعجائز مثال نموذجي عن تلك النوعية.

# فن # سينما # السينما العالمية

بين الحزن والانتظار: فيروزية المشرق ومشرقية فيروز
فيلم «أبو زعبل 89»: عن مصر التي نعرفها
فيلم «The Apprentice»: الحقيقة وراء دونالد ترامب

فن